Admin Admin
المساهمات : 685 تاريخ التسجيل : 27/08/2007
| موضوع: اكتشاف المستقبلية في القرآن الكريم الجمعة أكتوبر 19, 2007 10:56 am | |
| اكتشاف المستقبلية في القرآن الكريم
محمد عبد الجبار هل يبدو الحديث عن المستقبل في القرآن غريبا في المجال الفكري الاسلامي ؟ وهل يتعارض العقل المستقبلي مع مفهوم التوكل على الله ؟ , وهل يتضمن البحث المستقبلي مفهوم التنبؤ بالغيب , وهو العلم الذي خص الله به نفسه , فيكون في هذا النوع من البحث معنى لتجاوز المساحة المشروعة للأنسان في البحث العلمي ؟.. تطرح هذه التساؤلات وغيرها مما شابهها بمناسبة ما هو متعارف عليه بين الناس من ان الدين بصورة عامة يركز على المواعظ الاخلاقية والتذكير بقصص الماضين وبيان الحلال والحرام , بل أن المتبادر إلى الذهن من ذلك أن الكلام الديني يدور في اطار التاريخ والتراث . قد يظن بعض أن المستقبلية , سواء اخذناها علما أو منهاجا أو توجها , أمر جديد هو من افرازات الحضارة المعاصرة التي افرزت على سبيل المثال (السبرنطيقا) وغيرها من العلوم المستحدثة , وبالتالي فأي معنى لاقحام القرآن فيها غير أننا لو تذكرنا ان الاهتمام بالمستقبل – كما يقول قسطنطين زريق في كتابه (نحن والمستقبل) – أمر مغروز في الطبيعة الانسانية , وقد لازم الانسان من نشاته الاولى وخلال التاريخ .. ولو تذكرنا أنه لا توجد حدود لاكتمال الملكات الانسانية , كما يقول الفيلسوف والسياسي كوندرسيه في مقدمة كتابه (مخطط لصورة تاريخية لتقدم العقل الانساني) حيث ان اكتمالية الانسان غير محدودة واذا تذكرنا أن ايصال الانسان الى اقصى درجات كماله هو الهدف الاساسي من وجوده , وأن الله تبعا لذلك معني بتحقيق هذا الهدف الوجودي التاريخي اذا تذكرنا كل هذه الحقائق والمعطيات نستطيع ان ندرك بداهة ضرورة اهتمام الاسلام , باعتباره الاطروحة الالهية الكاملة , بمستقبل الانسان الذي يتحرك صوب تحقيق كماله الجماعي في (المجتمع المعصوم) . بل ان الاشارة القرآنية إلى المستقبل تأتي في أطار موقف متكامل من الزمان في ابعاده الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل , ولهذا نجد في القرآن الكريم إشارة الى ثلاثة مواقف هي : اولا : موقف نحو الماضي , ودعوة الى دراسة التاريخ , واستلهام دروسه وعبره . ثانيا : موقف نحو الحاضر , ودعوة الى فهمه واستيعابه , واكتشاف قوانينه . ثالثا : موقف نحو المستقبل , ودعوة الى استشراف إفاقه , الانشداد الى معالمه الكبرى . ونضيف بأن (المستقبلية) أو( الوعي بالزمن القدم في عمليات التغيير ) مسألة تسمح بها وثائق الاسلام الاساسية وروحه العامة , بل إن في الاصول الاسلامية ما يقضي بضرورة اعمال هذا واحترامه , ذلك ان العلم بالمستقبل أو على الاقل الرؤية المستقبلية , يحتل موقعا عضويا اساسيا في عملية التغيير التي جاء بها الاسلام من اجل انجازها في المجتمع البشري وهي عملية لن تكتمل إلا بعد مرور زمن طويل سوف يشهد امور اخرى كثيرة . كيف؟ . في الجواب عن هذا السؤال نقول : الانسان يلعب دورا اساسيا في عملية التغيير , بل هو الاساس في حركة التاريخ , من حيث كونه الطرف الفاعل فيها , وفقا للسنن الربانية في حركة التاريخ وبناء المجتمع , والانسان يمارس دوره التغييري من خلال محتواه الداخلي والمحتوى الداخلي يتألف من عنصرين هما الفكرة والارادة , والفكر يمثل الغايات التي يسعى اليها الانسان الى تحقيقها , وهي غايات مستقبلية , معدومة من الناحية الواقعية , لكنها موجودة في ذهن الانسان , وهذا الوجود الذهني , اي المستقبل , يشكل الدافع والمحفز لحركة الانسان , اي لحركة التاريخ . واذا كون لانسان صورة مستقبلية لنفسه او لمجتمعه أو للبشرية كافة , وتوفرت له الارادة الى تحقيق هذه الصورة , كانت هذه الصورة المستقبلية هي المحرك للنشاط وهي الدافع الى التغيير . ونستطيع ان نتصور ثلاث حالات للصورة المستقبلية هي : اولا : الرؤية العامة للمستقبل . وقد جسد القرآن هذه الحالة . ثانيا : الرؤية المذهبية للمستقبل , المشتقة من وضع اهداف لحركة المجتمع بناءا على ما يتبناه هذا المجتمع من رؤية عقائدية للمستقبل. ثالثا : الرؤية العلمية للمستقبل المشتقة من الدراسة الموضوعية للواقع القائم , والتنبؤ بمستقبل حركته , بناءا على معطيات الحاضر . وجوهر المسألة المستقبلية أن ينظر الانسان الى الغد , لا بمعنى ان يتنكر للماضي او يتجاهل الحاضر , ولكن بمعنى أن يتعامل مع ابعاد الزمان الثلاثة باعتبارها كائنا موضوعيا واحدا , يتواصل فيه الماضي بالحاضر , وينتقل الحاضر عبر ديناميكيته المتواصلة نحو المستقبل , يعبر برجسون . والمستقبلية إتجاه في التفكير ينطوي على إدراك للزمان , يوجهنا نحو الغد بكل ما ينطوي عليه من تغيرات واحداث نستطيع تصورها . اذن فالمطلوب أن يمتلك الانسان صورة مستقبلية , توضح له المعالم الكبرى لهذا المستقبل , لكي يتسنى له النظر الى المستقبل , او الغد بالتعبير القرآني , من خلالها , ولتكون معالم المستقبل مقاييس كبرى لما ينبغي أن يقدم المسلم في حركته نحو المستقبل الآتي . يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد , واتقوا الله , إن الله خبير بما تعلمون )(الحشر18). وتطالب هذه الاية وبوضوح كامل المؤمنين بتقوى الله والنظر الى الغد لا بمنظار الاحلام الطوباوية او الخيالات الوهمية , وانما بالنظر العلمي القائم على الحسابات والارقام والمعطيات الملموسة , بمنظار ما قدمت النفس الانسانية من اجل الغد , وهنا يصبح الغد حاضرا في اليوم بل ان العمل من اجل الغد هو مقياس تقوى الله في اليوم , قيمة اليوم هو فيما يقدمه للغد. ترى هل يستطيع الفكر البشري تكوين صورة تقدمية لارتباط الانسان بالمستقبل اكثر مما تقدمه هذه الكلمات الربانية القليلة ؟ . إن هذه الكلمات تقلب المقاييس الكلاسيكية تماما .. فبدلا من الحنين الى الماضي كما يفعل الرومانسيون او السلفيون والرجعيون , وبدلا من التقوقع على الحاضر كما يفعل السكونيون ولمحافظون وانصار الوضع الراهن بدلا من ذلك كله تدعو الآية الكريمة الى الشوق الى المستقبل والاعداد للغد , انها دفعة قوية الى التقدم والتطوير الى الامام والانجاز لا تستطيع أية ايديولوجية وضعية أن تطرحها بمثل هذا الحسم والوضوح والجدية. وبمثل هذا التوجه نقرأ آيات في القرآن مثل : ( يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه )(الانشقاق 6) , وهذه اشارة مهمة الى ديناميكية الوجود الانساني فردا او نوعا وحركته الدائبة الكادحة نحو الله , نحو اللقاء به. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا وعد الله حقا ومن اصدق من الله قيلا ) /(النساء57) . وهذا عد الهي مستقبلي بالجنة جزاء الايمان والعمل الصالح لا يملك الانسان الا ان يشتاق اليه ويستعد له , ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا ) . وهذا وعد إلهي مستقبلي بانتصار الاسلام والمسلمين على الصعيد العالمي , لا يمكن للانسان المسلم الا ان يتوق اليه ويعد مستلزماته , ولا يناضل الا من اجل تحقيقه. هذه وغيرها صور من الغد الموعود والمأمول الذي دعانا الله عز وجل الى صياغة حياتنا الحاضرة بالشكل الذي يوصلنا اليه , وهذا شعور وتوجه عام , جوهره ان المسلم في حركة دائبة ونشاط مستمر وسعي دائم نحو تحقيق الغد او المستقبل الذي وعد به الله ,أو اراده , أو وضع معالمه الكبرى. | |
|